أسواق بورسعيد.. الاسم "حرة" والواقع "ركود"

تصوير: مؤمن مسعد

كتب/ت مؤمن مسعد
2023-11-12 00:00:00

غابت الحياة عن شوارع بورسعيد التجارية منذ إلغاء المنطقة الحرة في عام2002.

ودأب المصريون لسنوات طوال على المجئ من كافة محافظات الجمهورية لشراء الملابس المستوردة من بورسعيد، تلك المدينة التي عاشت عصرها الذهبي وازدهرت أسواقها تجاريًا منذ صدور القانون رقم 24 لسنة 1976 والذي نص على تحويل المدينة بأكملها إلى منطقة حرة.

هذا الزمان ولى وصار شيئًا من الماضي، حين صدر القانون رقم 5 لسنة 2002 وبموجبه نُزع من بورسعيد ميزتها كمنطقة سوق حرة، وفق القانون الذي نص أيضًا على تخفيض الحصص الاستيرادية المقررة لكافة السلع خلال خمس سنوات من تاريخ القانون، وهي: ”10 % السنة الأولى، 25 % الثانية، ومثلها في الثالثة، و20 % في السنة الرابعة، ومثلها في الخامسة".

وضرب القانون سوق المستورد بطول بورسعيد وعرضها، إذ كان مصدر رزق فتح بيوت أهالي المدينة، فيما لم يستطع القانون رقم 6 لسنة 2013 “مادته الثانية" إنعاش السوق التجاري مرة أخرى في بورسعيد، رغم إعادته نظام السوق الحر

والآن تبدو الأسواق التجارية في بورسعيد خاوية إلا من البائعين، ولا تكاد تسمع سوى صوت الصمت.
وضاعفت الأزمات الاقتصادية الأخيرة ونسب التضخم غير المسبوقة التي تعانيها البلاد من أزمة ركود داخل أشهر ثلاثة أسواق تجارية في بورسعيد وهي "الثلاثيني، التجاري، الحميدي" في منطقة حي العرب.

وتدور من حين لآخر حكايات بين البائعين عن مساعي رسمية لتطوير هذه الأسواق، ودب الحياة في أوصالها.

أعباء مستمرة

يقول أحمد الطيب، 60 عامًا، صاحب محل ملابس بشارع الحميدي: “ورثت المهنة عن أبي وجدي، وما يشهده السوق حاليًا من ارتفاع الأسعار المبالغ فيه أدى إلى حالة من الكساد لم يسبق لها مثيل، الدولة لم تساعدنا في حلول لتخفيف حدة الأوضاع".

وزادت الأعباء على "الطيب" مثل دفع ضرائب "المبيعات، الدخل، القيمة المضافة، العامة، العقارية"، ثم فرض رسوم إضافية على المحال التجارية إجباريًا؛ لشراء صناديق قمامة لا يميزها إلا شعار الحي المطبوع على الصندوق وبضعف الثمن، هكذا يوضح.

ولا يمكن للتجار في السوق تحمل كل هذه المبالغ والأعباء الملقاه عليهم، بخلاف فواتير الكهرباء والمياه والإيجار وأجور العمال، وذلك في ظل وقف العمل بالبطاقات الاستيرادية لبعض التجار، بحجة أنهم من غير مواليد المحافظة.

وأضاف "الطيب": “سمعنا أن اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، ينوي تطوير الأسواق، هذا سيساعدنا كثيرًا، ولكن نطالب بزيادة الحصص الاستيرادية للتجار وحل مشكلة التهريب؛ لأنها عامل رئيسي في هذا الركود، وبدون حلها لن يعود الرواج لأسواقنا، بجانب ضرورة تخفيف رسوم الجمارك للزائرين".

وكان قد وافق محافظ بورسعيد، على الطلب المقدم من حسن عمار، عضو مجلس النواب، لرفع كفاءة وتطوير سوقيّ التجاري والحميدي، وإدراجها ضمن رحلات السياحة الداخلية بالمحافظة؛ لمساعدة التجار لكسب أرزاقهم وتوفير فرص عمل جديدة، وذلك وفق "الصفحة الرسمية لمحافظة بورسعيد".

ويقول النائب حسن عمار إن السوقين من أهم المناطق التي قامت عليها أسس المنطقة الحرة، ولكنها تعاني الآن من كساد تجاري كبير يؤثر على أرزاق شريحة كبرى من المواطنين في بورسعيد، بحسب نص الطلب المقدم إلى المحافظة والذي حصلت "البورسعيدية" على نسخة منه.

وذكر عمار في حوار سابق أجرته "البورسعيدية" معه في يونيو الماضي: “أعلم جيدًا التحديات التي تواجه المحافظة، وأهمها مشكلة الركود التجاري ووقف أكثر من 15 ألف بطاقة استيرادية من قبل الجهاز التنفيذي للمحافظة، بالإضافة إلى إشكالية قرار المحافظ بشأن المنطقة الحرة بتحريك سعر الدولار من 70 قرشًا لـ 85 قرشًا، وذلك الأمر أدى إلى انخفاض نسبة حصة بورسعيد حوالي 17% وهذا أمر لم يحدث من قبل في تاريخ المحافظة، وبالتالي العديد من الأسر تأثرت".

ويتوقع عمار عودة الرواج التجاري للمحافظة، لكن يعتقد أن ذلك يحتاج إلى مختصين كي تستعيد بورسعيد طابعها التجاري.

وحظيت تجربة بورسعيد كمنطقة سوق حرة باهتمام الباحثين، ومنهم سميرة عاشور، المعيدة في كلية الآداب قسم علم الاجتماع في جامعة بورسعيد، التي أعدّت دراسة نشرتها الكلية في 2020 عن أهداف المنطقة الحرة وتاريخها.

وتذكر الدراسة أن أول منطقة حرة أقيمت في مصر عام 1902، وذلك حين أبرمت الحكومة المصرية اتفاقًا مع شركة قناة السويس لإنشاء منطقة حرة برية بحرية؛ لخدمة أغراض الشركة وتوسيع وصيانة الميناء، فيما استهدف إنشاء المنطقة الحرة في بورسعيد عام 1976 الدفع ببنية الاقتصاد القومي، وتحقيق ربح وعائد تجاري واقتصادي كبير، عبر تحويل المناطق الحرة إلى أداة تساعد الاقتصاد الوطني في الدمج مع منظومة الاقتصاد العالمي، بجانب توسيع قاعدة التصنيع وتنمية الصادرات، وإيجاد فرص عمل جديدة والمساهمة في مكافحة البطالة عن طريق خلق فرص عمل في الصناعات والشركات المتواجدة بصورة مباشرة في المناطق الحرة.

ويقوم نشاط المنطقة الحرة التجارية على استيراد السلع من خارج البلاد أو من داخلها بغرض تصنيعها وبيعها في الوقت المناسب، وقد تجري عليها بعض العمليات البسيطة التي يُرخص بها عادة في المستودعات والتي تتناول شكل البضاعة دون المساس بجوهرها، مثل الفرز والتعبئة والتفريغ، حسب الدراسة

وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن معدل البطالة في محافظة بورسعيد سجل عام 2022، نسبة 26.2 %، بوصفه ثاني أعلى معدل على مستوى الجمهورية بعد محافظة جنوب سيناء.

ولذا تبدلت أحوال أبو شهدة، تاجر الملابس المستوردة في سوق شارع التجاري، إذ يقول لـ"البورسعيدية": “لم يعد حال الأسرة ميسورًا لدرجة شراء الملابس في كل الأعياد، وصار من الطبيعي أن يشتري رب الأسرة ملابس أسرته مرتين في العام فقط، هذا حالنا منذ عشر سنوات، والوضع يسوء تدريجيًا مع زيادة حدة الأزمات الاقتصادية التي يمر بها المواطن".

ويضيف: “فعلنا كل ما بوسعنا لتخفيف الأزمة دون جدوى، أفتح محلي من الصباح الباكر، على عكس ما اعتدناه هنا في بورسعيد من فتح المحلات بعد أذان الظهر".

ولجأ تجار كثيرون في بورسعيد لتسويق منتجاتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي ودفع إعلانات عبر "فيس بوك" و"انستجرام"، لكن كل هذا لم يبدد الأزمة بعد.

ويعتقد أبو شهدة أن تحرير سعر الصرف فاقم معاناته، يقول: “المحل الخاص بي لا يدر ربحًا منذ عام مضى.. برغم أنه في فترات حظر التجول المنزلي وجائحة كورونا كانت هناك نسبة زحام معتبرة في السوق التجاري".

ولدى الرجل أسرة والتزامات وفواتير وثمن بضاعة بالتقسيط، لذا يجلب عدد قليل فقط من الملابس الشتوية في الموسم فقط لتقليل حجم الخسارة فيما يظل يسدد مع التزاماته قيمة بضائع من الموسم السابق اشتراها بالتقسيط.

وفي قلة حيلة يسأل: “لا أعرف إلى متى يستمر الوضع.. الأسعار المرتفعة لا تناسب خامات الكثير من الملابس الشتوية لهذا العام، لا أتوقع إلا قلة الطلب وتكرار نفس تجربة العام السابق مع الأسف".