شم الفسيخ

تصوير: زياد العارف - شم الفسيخ

كتب/ت تسبيح السيد
2023-04-16 19:25:00

بات من المعتاد سنويًا في مصر الآن أنه كلما اقترب موعد الاحتفال بيوم "شم النسيم" تجد الدولة تحذر من عدم تناول الفسيخ لما يسببه من حالات تسمم من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة، بينما أصبح من المعتاد أيضًا أن تجد عدم مبالاة الناس من هذه التحذيرات، بل أنهم يحرصون على تناوله بالرغم من كل شيء.

أتذكر مشهد الفنان أحمد حلمي في فيلم عسل أسود وهو يمثل شخصية المصري الذي عاش معظم حياته في أمريكا وعاد إلى مصر لزيارتها، وأثناء تجمع العائلة في الحدائق العامة للاحتفال بشم النسيم، تناولوا الفسيخ والبصل الأخضر واستمتعوا بهذه الأكلة إلا هو، فكان منزعجًا في بداية الأمر من الرائحة وعندما "عزمت" عليه إنعام سالوسة بلقمة فسيخ ليتذوقها أعجبته وأكل بشراهة ثم عانى بعدها من انتفاخ البطن، فردت إحدى البطلات لتقول الجملة الشهيرة التي يرددها جميع المصريين أثناء تناولهم هذه الأكلة " ده فسيخ يا تموت.. يا مفيش"

في بداية 2022، نشر موقع اليوم السابع، تصريحًا خاصًا لرئيس المركز القومي للسموم، قال فيه إن الدولة المصرية تتكبد ما يقارب "5 ملايين جنيه" لتوفير الحقن الخاصة بعلاج حالات التسمم الناجمة عن تناول الفسيخ، بقيمة 75 ألف جنيه للحقنة الواحدة.

يعود احتفال المصريين بيوم "شم النسيم" إلى ما يقارب من خمسة آلاف عامًا، تحديدًا في نهاية عصر الأسرة الثالثة، وعُرف عند المصريين القدماء باسم "عيد شموس" أي "بعث الحياة"، حيث اعتبروه وقتها أنه "بداية الحياة" بعد الشتاء، وتم تحريف الإسم في العصر القبطي حتى عُرف باسم "شم" وأضيف إليه كلمة نسيم نسبة إلى نسمة الربيع.

وارتبطت مظاهر الاحتفال بهذا اليوم بشكل أساسي بتناول السمك المملح والبصل الأخضر والبيض، فكانت الأسماك "رمزًا للخصوبة" عند الفراعنة، لدرجة أنهم كانوا يدفنونها مع موتاهم  بعد حفظها وتجفيفها اعتقادًا منهم بأنهم إذا عادوا للحياة فسيجدون ما يأكلونه، ويعود ذلك إلى نهر النيل، حيث كان يتراجع منسوبه كل ربيع ويترك وراؤه آثارًا للأسماك المتعفنة، فكان عنصرًا غذائيًا أساسيًا لدى قدماء المصريين.

أما البصل الأخضر، تقول إحدى برديات مدينة "منف" القديمة، أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفلًا أصيب بمرض شديد، فاستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون الذي نسب المرض إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه.

أمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير في فراش نومه حتي غروب الشمس، وبحسب الأسطورة غادر الطفل فراشه وخرج يلعب في الحديقة، فأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة، وعندما حلّ عيد شم النسيم بعد أيام من أفراح القصر، قام الملك وعائلته وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس الذين علّقوا حزم البصل على أبواب منازلهم، احتفالات العيد.

أما تناول البيض، فجاء مذكورًا في متون "كتاب الموتى" وأناشيد إخناتون، حيث ينقش الأطفال أمنياتهم ودعواتهم على البيض، ثم يُجمع في سلة من السعف وتُعلق في الأشجار أو البلكونات حتى يشرق عليها الشمس اعتبارًا بأن هذا يحقق أمانيهم.

وظلت هذه العادات يتوارثها جيل بعد جيل حتى وقتنا هذا، فعند قدوم عيد شم النسيم تستعد والدتي لشراء الأسماك المملحة كالفسيخ والملوحة قبل حلول اليوم  بشهر كامل، حتى تتفادى ارتفاع أسعارهم، ثم نجتمع عند أقارب والدتي في مركز طهطا لتناول هذه الأكلة سويًا.

ويشتهر مركز طهطا بتصنيع الملوحة والفسيخ، فهم يقومون بشراء الأسماك وتمليحها لمدة سنة حتى تستوي، وبعد مرور عامًا من تمليحها يقومون بتناولها في عيد شم النسيم.

وأحد المظاهر الحديثة على سفرة شم النسيم هو إضافة البطاطس المحمرة أو السلطة أو تشكيلة متنوعة من الخضروات كالجرجير والفلفل و الكرّات والليمون والباذنجان المقلي، وعند سؤال والدتي عن إضافة هذه الأنواع من الطعام وتناولها مع الفسيخ، فأجابت بأنها موجودة لتخفيف حدة أثر الأسماك المملحة على المعدة.