رحلتي مع المشروع الوطني للقراءة

تصوير: عمار جودة - عدد من المشاركين في المسابقة

كتب/ت عمار جودة
2024-02-03 00:00:00

اعتدت منذ الصف الأول الإعدادي على الاشتراك في المسابقات التابعة للمكتبة المدرسية، مع اختلاف محتواها، حتى بعد ما وصلت إلى المرحلة الجامعية لم أترك هذه العادة بسبب حبي الشديد للقراءة.

وهذه الأيام، يمر عام على اشتراكي في الموسم الثالث للمشروع الوطني للقراءة، تحت فئة القارئ الماسي، ورحلتي في انتقاء ٣٠ كتابًا مع اختلاف مجالاتها لأحقق تنوعًا في الكتب التي قرأتها.

كانت أولى المشكلات التي واجهتني في البداية هي من أين أحصل على هذه الكتب؟ فقد تعودت على القراءة بمكتبة المدرسة، أما الآن فأنا بالمرحلة الجامعية لا يوجد مكتبة في جامعتي، فبدأت في البحث عن مصادر أخرى، ووجدت مصدرين فقط استطيع الاعتماد عليهما أولهم هي الكتب الإلكترونية فهي سهل الوصول إليها واختيار ما يعجبني من الكتب، وهناك العديد من الاختيارات التي استطيع أن أختار منها، ولكن عيبها هو افتقادها لملمس الكتاب ورائحة الورق المميزة التي تجعل من القراءة شيئًا ساحرًا.

أما المصدر الآخر فهو أحد أقربائي من المحبين للقراءة، فبحوزته بعض الكتب التي أود قراءتها ولكن هذا المصدر يخلو من تعدد العناصر وسهولة الوصول إليها ولكن يكسبني ملمس الكتاب ورائحة الورق التي كنت أفتقدها.

كان من السهل القراءة في المجال العلمي فهو مجال تخصصي، ولكن الكتب الأدبية والدينية هي التي واجهنا فيها الصعوبة، وكان من شروط المسابقة أن أقرأ في خمس مجالات متنوعة من مجالات المعرفة فاخترت القراءة في الديانات والعلوم البحتة والعلوم التطبيقية والآداب و(الجغرافيا والتاريخ والتراجم).

كانت مرحلة التصفية الأولى في يوليو 2023 مليئة بالقلق والتوتر في قلبي خوفًا من التقييم، رغم ما لدي من خبرة اكتسبتها من تكرار اشتراكي في هذا النوع من المسابقات خلال السنوات الماضية، وحينما تجاوزتها كان لدي قليل من الثقة عند التصفية الثانية.

وفي السادس من أغسطس 2023 سافرت إلى القاهرة للتنافس على مستوى الجمهورية بعد فوزى على مستوى محافظتي أسوان، بدأت في تجهيز محتويات شنطتي وتحضير مؤن السفر في ميعاد الالتقاء الثالثة فجرًا عند نادي أسوان الرياضي.

يومها لم استطع النوم من شدة حماسي للمسابقة وتشوقي له. انتظرت وصول الأتوبيس والمشرفين حتى اكتمل عدد الركاب من أسوان ودراو وكوم امبو، وتحركنا الساعة الرابعة فجرًا، لنحضر باقي الطلاب من إدفو، وأصبح بالأتوبيس ١٨ طالبًا مثقفًا من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية وهذا بعد اعتذار اثنين منهم مع وعد بالتواجد هناك.

أما عن القارئ الماسي فكان هناك طالبين أنا منهم، مع اعتذار اثنين آخران مع وعد من إحداهما باللحاق بنا بالفندق في القاهرة، مع وجود ثلاث معلمين مثقفين، وبالإضافة إلى أربع طلاب من الأزهر ومعلم أزهري والمنسق المسؤول عنهم وكذلك اثنين من المشرفين من توجيه المكتبات.

أتذكر طريق ذهابنا، كان هادئا لأن معظمنا لا يعرف الآخر أو يعرف شخصًا أو اثنين على الأكثر، فتجدهم منزوين مع بعضهم وتجدهم منشغلين بأمور مختلفة، منهم من يعيد قراءة مدونة الإنجاز الخاصة بالتلخيص، وبعضهم يجلس على الهواتف أو يتحدث مع من بجانبه، والبعض الآخر نائم يستيقظون عند الاستراحات، حتى نصل إلى وجهتنا بالقاهرة في العاصمة الإدارية بفندق الماسة الساعة الرابعة عصرًا.

ورغم متعة الرحلة إلا أنها تركت لنا ألم حاد في العظام بسبب طول المسافة بين أسوان والقاهرة خصوصًا استخدامنا الأتوبيس.

وعندما سمعت اسمي كأن هذا هو اليوم الأول الذي اسمعه فيه، بدأت في أخذ أنفاسي بسرعة كأن شخص يجري ورائي، جلست في المكان المخصص للانتظار حتى ينتهي زميلي من التقييم، عندها تم نداء اسمي للمرة الثانية للتوجه إلى منصة التقييم أخذت شهيقًا منقذًا كما وصفته لي إحدى مدربات التنمية البشرية وجلست أمامي اثنين من المحكمين كي أعرف نفسي لهم والبدء في مناقشة مدونة الإنجاز.

"شكرًا تشرفنًا بمعرفتك".. ثلاث كلمات عندما سمعتهم كأن جبلًا أُزيح من فوق كاهلي، خرجت وأنا لا أعلم ما هي مشاعري الآن فرحة ممزوجة بالتوتر بها بعض الخوف والغضب والأمل، ولكن يشوبها اليأس والألم، لم أدري ما حقيقة مشاعري في ذلك الوقت.

بدأت أفيق من هذا الشعور الممزوج مع سؤال أساتذتي عن ما فعلت بعدها بدأنا نتناقش مع بعضنا البعض عن ما جرى وما سيجرى، وانتظرنا حتى انتهى الجميع من التقييم وانتهينا نحن أيضًا من المناقشة بين بعضنا.

عندها بدأ حفل تكريم صغير لنا على فوزنا على مستوى المحافظة، نصعد على المنصة واستلام شهادة تقدير وميدالية، واستلم الطلاب المثقفين جائزتهم المالية بينما نحن ننتظر خارجًا وصول الأتوبيس وصعدنا إليه بعد استلام وجبة الغداء.

وعلى عكس رحلة ذهابنا الهادئة كانت رحلة رجوعنا صاخبة، حتى أن السائق نهرنا فالبعض يضحك والبعض الآخر يتناقش عن المسابقة والبعض يلعب ويلهو مع الذي بجوارهم والآخرين يغنون ويطلقون النكات وكانت رحلة عودتنا لا تنسى.

ولكن في نهايتها ليست كبدايتها فبعد توديعنا لطلاب إدفو ونزولهم، وفي الطريق بين إدفو وكوم أمبو تعطل الأتوبيس بنا وانتظرنا لمدة ساعتين حتى يأتي لنا أتوبيس آخر ،ولكن في هذا الوقت لم نحزن أو نخاف بل جلسنا نطلق النكات و نضحك مع بعضنا حتى حلت المشكلة، ووصلنا إلى أسوان، وانطلق كلًا منا نحو ذويه يحتضنهم بعد غيابنا عنهم لمدة يومين، وعند دخولنا للبيت بدأت يتصاعد التوتر والتفكير إلى عقلي منتظرًا نتيجة هذا المجهود وثمرته.

تلك الأيام التي عشتها رغم إرهاقي الشديد فيها إلا أنهم أعظم أيام حياتي، حيث تحدثت مع أناس تشبهني يحبون القراء مثلي، تناقشنا وتحاورنا وتبادلنا المعرفة وكسبنا صداقات جديدة ومعرف وعشنا مع بعضنا أوقات جميلة شعرنا فيها بأحاسيس مختلطة.

تجربة المشروع الوطني للقراءة تجربة مذهلة زادت من مداركي في الحياة، واكسبتني خبرة أكثر، ورغم عدم فوزي بها فقد ربحت قراءة 30 كتابًا ومعرفة أصدقاء الطريق الذين كانوا معي، وربحت خبرة في حياتي بسبب مغامرة عشتها.