حتى لا تندثر مهنته.. محمود موظف صباحًا و"خطاط" ليلًا

تصوير: أمنية حسن

كتب/ت أمنية حسن
2023-09-16 00:00:00

رغم انتشار طرق الطباعة الحديثة وتصميمات الجرافيك لواجهات ولافتات المحلات، إلا أن محمود الأنصاري، 63 عامًا، لم يتخل عن مهنته المحببة، إذ يعمل في الصباح موظفًا، وحين يأتي المساء يحمل أدواته ويبدأ في عمله كخطاط.

يقف الأنصاري أمام قطعة خشبية بعصا مُرقمة خاصة للقياس؛ لتحديد عدد الأسطر للكتابة عليها، ودون أية تظليل مُسبق يغمس الفرشاة في الألوان ويبدأ في كتابة الأحرف والأرقام من ورقة بجانبه تحتوي على تفاصيل اللافتة بعد الاتفاق مع صاحبها.

قضى محمود، وهو نوبي من قرية "الامبركاب" التابعة لمركز نصر النوبة، أكثر من 40 عامًا في رسم وكتابة لافتات المحلات وواجهات المنازل مثل عبارات التهنئة بمناسبة الحج "حج مبرور وذنب مغفور"، كما كتب شواهد القبور.

ولا يعبأ هو بانتشار اللافتات المطبوعة بالكمبيوتر والمزودة بالأنوار؛ إذ أن اللافتات المرسومة لازال لها صاحبها والطلب عليها مستمر، حسبما أوضح.

يقول بنبرة من الثقة: “اللي جرب المطبوع والمرسوم عرف قيمته ورجعله تاني"، ويرى أنه على الرغم من تطور الإمكانيات التكنولوجية في لافتات المحلات إلا أن زبونها موجود.
 
ويضيف: “المرسوم عمره أطول وأفضل ولا يتأثر بمرور الوقت أو بالشمس التي تحول الألوان إلى باهتة في اللافتات المطبوعة، لكن الأخرى تُصنع على خشب حُبيبِي مضغوط وتعيش اللافتة من ست إلى عشر سنوات".

وهذه الخبرة اكتسبها الأنصاري منذ صغره، إذ ظهر اهتمامه بالخط من المرحلة الابتدائية حين كان يساعد معلميه في كتابة دفاتر التحضير، ثم في المرحلة الإعدادية انتبه معلموه إلى خطه الجميل.

ويحكي عن هذه الفترة ويقول: “تلقيت اهتمامًا من مدرسي الرسم في المدرسة، إذ ساعدوني في تطوير خطي، وفي أثناء سيري بالشارع كنت أشاهد لافتات المحلات وأفيشات الأفلام وأجمع الجرائد وأبدأ في تقليد الخطوط التي شاهدتها حتى أكتب مثلها، ثم اشتريت كُتب تعليم الخط للتفرقة بين كل نوع مثل الخط الفارسي والديواني والرقعة، وعندما وصلت لمرحلة الدبلوم بدأت في كتابة اللوحات المدرسية، إلى أن اتخذت من الخط مهنة لي بجانب عملي الأساسي كموظف في مديرية الطب البيطري".

وخلال أربعين عامًا مرت عليه صنوف من أدوات وأشكال الرسم، يوضح: “كنا نرسم بفُرش من البوص باستخدام الأحبار ونصنع الأدوات بأيدينا والفرش من شعر الماعز والتي تعيش فترة أطول عن الحالية والتي تتميز بسهولة الاستخدام ويعيبها ارتفاع أسعارها مع الوقت".

ولا يجد الأنصاري صعوبة في مهنة الخطاط؛ إلا إذا طُلب منه الرسم من مكان عال مثل بلكونة في عقار مرتفع.

وفي الوقت الذي يشاهد فيه محمود لافتات مطبوعة تحتوي على أخطاء لغوية، يقول بحزم: “أهم أمر في المهنة الحرص على القواعد اللغوية الصحيحة عند الكتابة، وأقوي نفسي عن طريق قراءة القرآن وكتابة الشعر".

ويشارك الخطاط "الزبون" كل مراحل تنفيذ اللافتة، يقول: “أبدأ معه معرفة المطلوب كتابته ثم أماكن الكتابة، واختيار الألوان التي تناسب اللافتة والتي قد تؤثر على جودة اللوحة؛ لأن هناك ألوانًا تثبت وألوان لا مثل الأحمر؛ لذا فاختيار الألوان يختلف في طبيعة  المرسوم عليه، مثل الرسم على الخشب أو القماش أو المصيص "الجبس"، واختيار الخط يرجع لحجم اللافتة بحساب المسافة والكلمات المطلوبة".

وعن التكلفة المطلوبة أوضح: "يختلف الرسم حسب القطعة المرسوم عليها، سعر متر القماش كان يساوي ثلاثة جنيهات، الآن 30 جنيه، والرسم على الخشب أغلى وتكلفته 250 جنيه".

وبنهاية مهمته يفخر محمود بما أنتجه، ثم يقول: “لازال هناك من يسعى للتعلم لكن هذا أقل الآن؛ لأن الإقبال على اللافتات المطبوعة أكبر".

 

تصوير: أمنية حسن -