أولوم  حيوان النوبة الأليف

تصوير: أمنية حسن

كتب/ت أمنية حسن
2022-07-15 00:00:00
عندما ينحسر مد الفيضان يكشف الماء عن جزر النيل ببحيرة ناصر، وتخرج إليها إناث التماسيح لتضع بيضها، حينها يستغل الصيادون الفرصة لنقل البيض لمواقع بعيدة عن التماسيح وتفريخه حتى يفقس ليبيعوا صغار التماسيح لنوبيين يهوون تربية التماسيح في بيوتهم.
يربط النوبيين بالتماسيح تراث قرى النوبة القديمة الملاصقة للنيل، حيث تخرج التماسيح للاستلقاء على الشاطئ وتجوب حول المنازل، وأصبحت حاليا التماسيح وسيلة للجذب السياحي بتربيته في البيوت.
يقول "منتصر جرفي"، باحث في التراث ومتخصص في تاريخ النوبة، لـ"عين الأسواني": "إن العلاقة بين التماسيح والنوبيين أتخذت شكلًا مختلفًا عن السابق بعد بناء السد العالي، وتهجير سكان القري القديمة".
ويضيف: "قديما اعتاد النوبيون على رؤية التماسيح على حواف الجزر للنوم، وتربية التماسيح بأحجامها المختلفة، لم يخلُ تقريبا بيت نوبي من وجود تمساح، أما الآن اقتصرت علاقة النوبيين بالتماسيح في الترويج السياحي وتربية الصغير منها".
يتغنى أهل النوبة بالتمساح في أغانيهم الشعبية، يفتخر الرجال بشجاعتهم في صيد التمساح والسباحة في النهر دون خوف من الوحش، ويسمي التمساح في اللغة النوبية "أولوم".
عندما تمشي في شوارع غرب سهيل الضيقة بين صفوف منازل مزينة باللون الأزرق والنقوش المثلثة، تُزيِّن الأبواب تماسيح محنطة..
في أحد هذه المنازل يقف "حسين" حاملا تمساحا صغيرا لا يتعدى طوله عشرين سم من حوض داخل بيته يربي فيه التماسيح ويعرضها للسائحين من زوار القرية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
يقول حسين محمد لـ "عين الأسواني": "علاقتنا بالتماسيح ليست حديثة، ولكنها أصبحت جزءا من الترويج السياحي، فمعظم النوبيين قبل الهجرة وبناء السد العالي امتهنوا الزراعة والصيد، وأثناء فترات الفيضانات كان النوبيون يصادفون التماسيح على المراسي أو عالقة في شباك الصيادين، لذلك كانت تربى في البيوت، ومنها محنطة على باب المنزل في إشارة إلى قوة ساكن البيت، ونتوارث طرق التربية التي تعلمتها من أبي الذي تعلمها بدوره من جدي".
ويضيف: "في السنوات الأخيرة أصبحت التماسيح وسيلة للجذب السياحي إلى بلاد النوبة، فعند قدوم السائح نشرح له معلومات عن التمساح وطريقة تربيته، فنحن نستطيع التعامل مع أحجام التماسيح المختلفة كحجم المتر ونصف أو نصف متر،وكلما كبر حجمه نقوم بتوسيع الحوض له".
يعتمد "حسين" في تغذية تماسيحه على أسماك النيل، وكلما اهتم صاحب التمساح بمواعيد إطعامه وعدم تركه جائعا لفترات طويلة كان أفضل له، وفي فترة البيات الشتوي بين شهر يناير والأيام الأولى من شهر فبراير، تقل مرات أكله عن المعدل الطبيعي؛ لأنه يستمد الغذاء من جسمه، وبعض التماسيح التي يكبر حجمها يقوم أصحابها بإعادتها إلى بحيرة ناصر مرة أخرى لتتكاثر وتستمر دورة حياتها.
تعتبر مصر واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية ستوكهولم المعنية بالملوثات العضوية الثابتة، والتي تحتوي على بند تجرم فيه صيد التماسيح لتحقيق التوازن البيئي، حتى لا تتعرض إلى خطر الانقراض، واتفاقية سايتس للحفاظ على الأنواع البرية من خطر الانقراض.
ويقول الدكتور "إكرامي محمد الأباصيري" مدير وحدة التماسيح ومدير عام محميات المنطقة الجنوبية: "نتفهم أن تربية التماسيح تعد جزءا من الموروث الثقافي في النوبة وحيازة التماسيح في البيوت هو وضع غير قانوني، فطريقة تربيتها لها أبعاد معينة وأسلوب تغذية ورعاية بيطرية، فيجب أن تكون تحت رعاية مختصين".
ويضيف: "ندعو مربي التماسيح في البيوت للتعاون مع وزارة البيئة لتقنين وضعهم ومنحهم تراخيص لمراقبة التماسيح، ومن جهتنا سنحاول أن نتعاون مع أصحاب البيوت النوبية لعمل برنامج لمساعدتهم في الاستمرار بإطار صحيح، وإرشادهم لحجم الحوض المناسب للتماسيح التي يمتلكها الحائز".
ويضيف الأباصيري: "بعد إنشاء السد العالي عام 1960 اقتصرت أماكن تواجد تمساح النيل -وهو النوع الوحيد في مصر- خلف السد ببحيرة ناصر، وحياة التماسيح الطبيعية ترجع لوجود ذكر تمساح واحد في كل بقعة بالبحيرة، ويتواجد معه من خمس أو ست إناث من التماسيح ولا يستطيع ذكر غيره البقاء في تلك المنطقة، تضع أنثى التمساح ما بين 25 لـ 30 بيضة، يتبقى اثنان من التماسيح بعد نهاية الفقس، يرجع لعدة عوامل منها عوامل طبيعة لا علاقة لطرف بها، أو نتيجة لهجوم لحيوان الورل الذي يتغذى على صغار التماسيح التي لا تستطيع حماية نفسها فور خروجها من البيض".
تدرس وحدة التماسيح في أسوان طريقة حياتها في البحرية، بتتبع تمساح بوضع أجهزة تعقب لمتابعة نشاطها، ورصدت فترات الغذاء للتماسيح مرة واحدة كل ثلاث أيام تقريبا، تأكل ما بين 5 إلى 7 كيلوجرام في المرة الواحدة.
 
ويضيف الأباصيري: "منذ 15 عاما بدأ التزايد على صيد التماسيح بالبحيرة، على اعتبار أن التماسيح تهدد الصيادين أثناء صيد الأسماك، وعرقلتها لشبكة الصيد، مشيرا إلى أن صيد التماسيح وجمع بيضها من أماكن مخابئها وحمله بطريقة بدائية تؤدي في النهاية لفساده قبل الاستفادة به، يشكل خسارة لجميع الأطراف.
ويؤكد مدير وحدة التماسيح على أن صيد التماسيح ممنوع، ولا يوجد بما يسمى بفترات السماح للصيد، فكل المراحل العمرية للتماسيح مهددة بشكل من الأشكال عن طريق قتلها والاستفادة بجسدها، فهي تعد مكسبا سريع العائد لصائديها الذين يفتقرون الوعي والإدراك بالأبعاد البيئية".
وأوضح إكرامي الأباصيري أن من أدوار جهاز شئون البيئة هو الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتعد التماسيح جزءا من هذا التنوع، ولها دور هام في الحفاظ على التوازن البيئي.
مضيفا، فبعد عدة دراسات قامت بها الدولة، ومخاطبة الجهات والاتفاقيات التي تشترك بها مصر كاتفاقية السايتس، تسعى الدولة مستقبلًا لعمل استفادة مستدامة لنا وللأجيال القادمة، عن طريق إنشاء مزرعة للتماسيح للاتجار بها فيما بعد وفي نفس الوقت الحفاظ على التنوع البيولوجي.