"بسملة" بنت أسوان.. من التنمر لتحدي الرسم بالفم

تصوير: أمنية عبداللطيف،طيف حسن

كتب/ت أمنية عبداللطيف - طيف حسن
2022-11-27 00:00:00

 

"بسملة محمد فخري ١٤ سنة في الصف الثالث الإعدادي، أحب الرسم و أرسم بفمي"، بهذه الكلمات استقبلتنا "بسملة"، في حوار دار بين عين الأسواني وبينها في صحبة والدتها

تقول هنادي السيد مصطفى- ربة منزل- :"منذ أن ولدت بسملة تم تشخيصها بضمور في كلتا يديها، لتقضي حياتها منذ ذلك الحين و حتى الصف السادس الإبتدائي في "جبس و عمليات"، حتى أنها من سن ٦ شهور وحتي الصف الأول الإبتدائي لم تخط قدماها الأرض"، تتذكر الأم تلك الفترة من حياتها بمرارة :" كانت إحدى تلك العمليات تطويل للأوتار و مدها و تعديل ساقيها ".

ترتاح الأم قليلا بينما تلمع عيناها وهي تتحدث عن اكتشاف موهبة بسملة، تقول هنادي :"اكتشفنا ذلك منذ أن كانت في الروضة، بدأت بأخذ المعلقة بفمها لإطعام أختها الصغرى مما أوحى لي أنها ستستطيع أيضا حمل القلم و هو أخف من وزن الملعقة، و بالفعل تعلمت ذلك في حين بلغت أربع سنوات ونصف و كانت تكتب كأقرانها الأسوياء، ظننت انها تتعلم دون أن تكتب وأنها ستتعلم بعينيها فقط، و لكنها كانت تكتب الحروف و الكلمات لذا أحضرنا لها أيضا كتب التلوين."

و تكمل :" كانت تحافظ علي حدود الرسومات دون الخروج عنها، و اعتادت علي ذلك ايضا، وفي إحدي المرات اعجبتها شخصية سبونج بوب علي غطاء سريرها فرسمته و لونته و تفاجئنا بها".

و تستأنف حديثها قائلة:"حتي في المرحلة الابتدائية؛ كانت ترسم المقرر عليها، و بعد ذلك عندما كان يعجبها أحد المناظر الطبيعية كانت تعود للمنزل و ترسمه بتوجيه من معلميها في المدرسة، و منذ بداية رسمها، لاقت دعما كبيرا من عائلتها والمقربين ومعلميها حتي أصبحت تتكرم في كل المسابقات مثل اليوم العالمي للمعاق و "درع" ماجدة موسى و لمحات من الهند ".

كانت بسملة في سن الطفولة تجذبها الرسومات الكرتونية الملونة شأنها شأن الأطفال جميعا، وعندما كان يضيق صدرها بما تراه من تنمر أو نظرات شفقة، على الفور تتجاهل تلك النظرات ولا تعيرهم انتباهًا.

أحبها وتبناها معظم المدرسين في مدرسة أبو الحسن الشاذلي في منطقة السد العالي، و تعتقد هنادي ان الله وضع فيها قبولاً ليحبها كل من يراها من مشاهير و سفراء جاءوا في المسابقات والمهرجانات التي أشتركت بسمله فيها.

أما عن مشكلة بسملة وأسرتها بشكل عام، فتقول هنادي :"تعد مشكلتنا الكبرى في المواصلات .. فنحن نسكن في منطقة السد العالي و والدها علي قد حاله موظف، و تعد كارثة إذا أردنا النزول لوسط البلد او 'أسوان تحت' فبسملة ليست الوحيدة بل ترتيبها الثالث بين إخواتها، و بالطبع لن أهمل بقيه أخواتها، فلا أستطيع إلا ان أنزل ليوم واحد في الأسبوع بسبب المواصلات ".

و تعبر بسملة عن مدى حبها للعالم الخارجي و الرسم قائلة :" أحس بذاتي و كياني حين أرسم، فقد غيرني الرسم وأصبحت أنفق وقتي في شئ مفيد صار موهبتي و لن اتركها ابدا، و بالرغم من ظروفي فالرسم يجعلني أشعر بأني افضل من الكثيرين، وأفضل الرسومات تخرج في المزاج الحلو و التنافس لذا قد أضيف تفاصيلًا اكثر لأبرز رؤيتي وموهبتي".

و عند سؤال هنادي عما إذا كانت بسملة تتلقى اهتماما مبالغاً فيه، قالت:" نعم ، أهتم بها بشكل أكبر مما أهتم بأخواتها، فأخواتها أكبر سنا وفي مراحل جامعية، ومنذ ولادتها وحتى الآن، قد خضعت ل١٥عملية، بسبب ولادتها بضمور العضلات في يديها،" يقوم صباحا والدها بتوصيلها للمدرسة و أقوم أنا برحلة العودة ثم أذهب بها عصرا للدرس و أعود بها"

أما في المساء نذهب للنادي الحرفي للمعاقين، و أخواتها الصغيرات يدعمونها كثيرا و ينفذون أوامرها و يساعدونها، أما الأكبر منها فيساعدونها عندما لا استطيع، و عندما أشعر منهم بالكسل أعيد ملئ طاقتهم و تحفيزهم و تذكيرهم إننا كلنا فريق واحد ".

و ذكرت لنا احد المواقف الدالة و هي تقول:" أحد دروسها كان في منطقة أرض الجميلي، وهي تحتاج لوسيلتين مواصلات و ربما ثلاث، كان يأخذها أخوها الأكبر منها و ينتظرها لأربع ساعات في الشارع بينما تأخذ هي دروسها و هو راض تماماً عما يفعله غير خانق أو كاره مما يفعل."

و تصف اهتمامها بأخواتها قائلة :"كل منهم أخذ جزءا من حياتي في فتره ما، و لكن بسملة حاليا هي من تحتاج هذا الأهتمام

و يساعدها والدها أيضا بنسبه ٥٠٪ ، قد يؤجل عمله حتي يوصلها و يفهمها من عيناها فقط منذ أن كانت في شهورها الأولى غير فاقهة لوضعها أو ما يحدث من حولها .

في البداية تأثرت هنادي و لكنها لم تعترض، حتى منحها الله طاقة لتواجه بها تلك الظروف، و هي تؤمن أن الطب قد تقدم وأن المجتمع تتغير نظرته بإنجازات الشخص ١٨٠ درجة.

و بينما يدور الحوار بين عين الأسواني وبسملة، افرغت بسملة جزءا مما يجعلها تتسائل دوماً و تقول:" بشوف الناس بتخبي ولادها اللي زيي و بيبعدوهم عن الناس، ولا أفهم ما المشكلة في كون الشخص قد يولد بإعاقة أو مرض ما و الربط بين ذلك و بين منعه من الخروج فيحبس رغما عنه، قد يكون علاجه في خروجه من المنزل و تغيير الأجواء من حوله، فبالنسبة لي في فتره الكورونا كانت نفسيتي تحت الصفر بسبب عدم خروجي من المنزل ".

و عن مساعدة بسملة لإخواتها الصغار و قيامها بدورها في الأسرة، تقول هنادي أن بسملة دائما ما تساعد أخواتها الصغار ( جهاد في الصف السادس الابتدائي و مودة في الثالث الابتدائي ) أثناء عمل واجباتهم و تجمع أطفال العائلة الصغار في ورشة رسم صغيرة لتفريغ طاقاتهم بشكل مفيد، أما معاملة العائلة لها فيعاملونها كأنها ملكة متوجة .

تتمنى بسملة أن تكون بعد عدة سنوات "دكتورة صيدلانية" ، بعيدا عن موهبتها التي ستستمر بها أيضا، فجزء من أرباحها سيكون تبرعا للحالات التي تشبهها و المتأخرة عنها ايضا، وأن تقوم بإقناع الأهالي الذين يبعدون أشباهها عن الأضواء خشية التنمر.

أما عن فترة الدراسة الحالية، فتقسم بسملة وقتها بين الرسم و الدراسة عن طريق تحديد يوم واحد للرسم و بقية الأيام للدراسة وهي تختلف تماما عن اجازتها، و حاليا هي تركز أكثر علي شهادتها الإعدادية لتحقق ما تريده مستقبلاً