بين تصدير البصل وقرار الوزراء لـ "وقفه”.. من يحمي المواطن العادي؟

تصوير: مريم أشرف - بصل معروض على أحد عبات الباعة المتجولين بدار السلام

كتب/ت مريم أشرف
2024-01-10 00:00:00

مع صوت ارتطام المعلقة في طبق "الكشري"، ورائحة "طشة البصل"، نشاهد "س.م" يعمل على تجهيز طلبات البيع لزبائنه.

يطلب أحد الزبائن أن يزيد البصل في طبقه، فيرد عليه "س.م"، مالك المحل، بينما يقوم بإعداد الوجبات بنفسه، قائلًا: "ازودلك ازاي ده ب 40 جنيه يا راجل!"، لحظات ويشير إلى أنه سيقوم بذلك وهو يوجه حديثه للزبون: "علشان عيونك بس" ، ليرد عليه الآخر "حبيبي.. أحلي مسا عليك"، ساحبًا سيجارة من علبته كإشارة إلى تبادل العطاء بينهم.

يقول "س.م" أنه وضع أمام أمر واقع يهدد "أكل عيشه"دون اختيار، وذلك بعد ارتفاع سعر البصل بشكل مبالغ فيه بما أثر على ميزانيته وأرباحه، فهو أحد المكونات الرئيسية لطبق "الكشري" إلى جانب الطماطم، التي ارتفعت هي الأخرى.

وما بين تقليل كمية البصل وخفض نسب أرباحه من عمل المطعم، فضّل مالك المحل ذائع الصيت في دار السلام أن يحافظ على كمية البصل وزبونه معًا لكنه واجه انخفاض كبير في أرباحه وصل إلى النصف في ديسمبر الماضي، حسب وصفه ورصده للأرقام اليومية.

خسائر "س" وغيره من المحال التي تستخدم البصل في تجهيز وجباتها، فضلًا عن الكثير من الأسر في دار السلام، تركت أثرًا واضحًا على الجميع، الذين ظلوا لعدة أشهر على مدار 2023 في انتظار اتخاذ اجراءات للتصدي للارتفاعات المتلاحقة في السلع، الغذائية بشكل خاص، لكن دون نتيجة واضحة، الأمر الذي جعل سعر البصل وحده يتقافز لأكثر من 9 أضعافه على مدار عدة أشهر، فبعدما كان يباع بـ5 جنيهًا للكيلو، ارتفع قبيل شهر رمضان الماضي إلى 15 جنيه ثم إلى 20 جنيهًا ثم إلى 40 جنيهًا، ووصل إلى 50 جنيه في بعض المناطق أول ديسمبر الماضي.

وقد اتخذ مجلس الوزراء في سبتمبر الماضي قراره بوقف تصدير البصل، كخطوة اعتبرها حلًا وتصديًا لهذا الارتفاع، إلا أن ذلك لم يوقف زيادة الأسعار وفي الوقت ذاته لم يخفضها إلى ما كانت عليه من قبل، وقبل انتهاء مدة منع التصدير التي كان قد حددها بثلاثة أشهر، جدد المجلس قراره بوقف التصدير للبصل وعدة سلع أخرى إلى مارس المقبل من جديد، لعل يكون القرار هذه المرة أكثر فعالية، وهذا ما ينتظره بالفعل "س" وغيره من المواطنين وأصحاب المحال في دار السلام.

تفتقد "بدرية محمد"، ربة منزل، عادتها في تخزين الخضروات تحت حوض المطبخ، فهي من سيدات البيوت التي تشتري السلع بكميات تكفيها لفترة، لأن ذلك يكون "أوفر" لها على مستوى الميزانية.

كان البصل مكون رئيسي لأسرة بدرية في وجبة الافطار المعتادة من "فول وطعمية" خصوصًا يوم الجمعة الذي يجتمع فيه شمل العائلة، وقد تأثر ذلك المشهد بالفعل على مدار الشهور الماضية، بسبب الارتفاعات التي طالت كافة السلع.

ولم يشفع اعتلاء مصر للمركز الثالث على المستوى العالمي في انتاج البصل، بحسب تقرير منظمة "الفاو" وهي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، الذي أوضح أنها تنتج حوالي ثلاثة ملايين و115482 طن سنويًا، أن يحمي أسرة بدرية أو زبائن "س" من تهديدهم بافتقاده كأحد المكونات المفضلة في وجباتهم الذين خسروا في معركة من يشتري بسعر أكبر.

وبالإضافة إلى السعودية، تأتي مختلف الدول الأخرى التي تصدر إليها مصر البصل، الذي تشير التقارير المختلفة على مدار 2023 إلى ارتفاع حجم التصدير مقارنة بالأعوام الماضية، ففي سبتمر الماضي نشر ايست فروت، تقريرًا قال فيه أن صادرات البصل المصري خلال عامي 2022/ 2023 إلى الاتحاد الأوروبي تضاعفت بأكثر من الضعف ووصل حجمها إلى أعلى مستوى له منذ 4 سنوات.

يوضح الأمر "مجدي مصطفي"، مسؤول مخازن بصل وبطاطس توزع البصل لمنطقة دار السلام والمعادي وزهراء مصر القديمة والمنيل والسيدة عائشة والسيدة زينب، لـ"صوت السلام"، قائلًا إن قرار وقف تصدير البصل أوقف سلسلة ارتفاعاته ليعود إلى 20 جنيه في الأسواق، متوقعًا أن يستمر في الانخفاض خلال يناير إلى 10 جنيهات للكيلو الوحد.

ويضيف: “السبب في أزمة البصل هي احتكار المخازن لكل الكميات عقب فترات الحصاد، لأن البصل يحصد كل 120 إلى 140 يوم، فالتجار استغلوا فترة عدم وجود محصول جديد، واحتكروا كمية اشتروها بثلاثة وأربعة جنيهات للكيلو من المزارع ليبيعوه بـ40 و50 جنيهًا".

وفقًا لمصطفى، تسبب هذا الاحتكار على عدد من التجار في تسعير البصل بما يساوي قيمة تصديره، فإذا كانوا يستطيعوا بيع الكيلو الواحد في السعودية بـ5 ريال على سبيل المثال، يقدّروه هنا في مصر بـ40 جنيه، يعلق: “ليه يبيعوا هنا ب 10 و 20 جنيه؟"، تعبيرًا عن نظرة التجار للتصدير وأنه مؤخرًا أصبح الأولي في تجارتهم.

ولأن القرارات الرادعة جاءت متأخرة واقتصرت على وقف التصدير، استمرت الأزمة لعدة أشهر. ذاق مرارتها سكان المنطقة الشعبية التي يتّبع أغلبها فئات محدودي ومتوسطي الدخل.

ويحكي "إسلام جمعة"، صاحب محل خضروات، عن أسابيع ارتفاع سعر البصل ويصفها بأنها كانت "أسابيع سودا على السوق"، لأنه كان يلاحظ حالة الركود والغضب في السوق، حتى أن الأمر وصل لشراء بعض الزبائن لبصلة واحدة وزنها ربع كيلو، بهدف إتمام الطبخ الذي يعتمد على البصل.

وفي آخر حديث ل "جمعة" مع التاجر الذي يتعامل معه، أخبره أن الشهور القادمة ستكون الأسعار أفضل، بسبب قرارات مجلس الوزراء الأخيرة، وأن ديسمبر هو شهر حصاد للعديد من المحاصيل، مما سيزيد كمية الخضراوات في السوق خلال الشهر الجاري، وبالتالي سيقلل سعرها.

يأمل جمعة حدوث ذلك، وإن لم تنعكس هذه التوقعات على أسعار السوق حتى الآن.

تصوير: مريم أشرف - أحد مخازن البصل بحي دار السلام