مش مجاني| الطلاب في روسيا.. العمل 12 ساعة لتدبير نفقات الدراسة

أرشيفية

كتب/ت سلمي الهواري
2023-09-28 00:00:00

مش_مجاني | صباح السبت المقبل، تقرع المدارس أجراس الحصة الأولى، وتستعد مدرجات الجامعات لاستقبال طلابها الجدد والقدامى، وقبل أن تصيح صفوف التلاميذ "صفا وانتباه"، تصطف الأسرة المصرية فى مواجهة معركة موسمية طاحنة، تختلف كثيرًا عن سابقتها فى ظل ارتفاع تشهده كل مستلزمات تجهيز أبناؤها.

يقف أولياء الأمور أمام جبهات متعددة تقصف جميعها جيوبهم في آن واحد، بداية من المصروفات الدراسية ومستلزماتها والملابس والكتب والدروس، التي تشهد جميعًا ارتفاعات متلاحقة ما بين انخفاض الجنيه وارتفاع الدولار  ومآسي عمالنا فى ليبيا، ناهيك عن ارتفاع الاحتياجات المعيشية نفسها ما بين أجور وأغذية وسلع. 

فى هذا الملف نرصد كل الأصوات، الطلاب وأولياء الأمور والباعة، حيث يبحث الجميع عن كيفية تدبير عبورهم لأزمة، تتصدر فيها مشهد أساسي؛ التعليم .. مش مجاني.

دفعت الحرب الروسية الأوكرانية وتغيرات سعر الصرف والعقوبات الأوروبية على روسيا إلى معاناة جديدة للطلاب المصريين الدارسين في الجامعة الروسية ممن قرروا استكمال الدراسة هناك.

ويضطر الطلاب المصريون عادة إلى الدراسة هناك؛ بسبب انخفاض مجموعهم وعدم وصولهم في مصر إلى الحدود الدُنيا للكليات التي يريدونها، بجانب انتشار أقاويل كثيرة عن انخفاض تكلفة الدراسة في روسيا، بالمقارنة بالجامعات الخاصة في مصر.

والجنيه المصري كان يساوي 4 أو 5 روبلات، لكن بعد أزمة الحرب وتعويم الجنيه وتطبيق العقوبات على روسيا وصل الجنيه مؤخرًا إلى 3.13 روبل بحسب سعر الصرف الحالي.

وبينما اضطر الطلاب في روسيا إلى العمل ساعات طويلة لتوفير جزء من أموال دراستهم كانت تحاول أسرهم تدبير مصروفات الجامعة والسكن قدر استطاعتهم؛ حتى يتمكنوا من استمرار أبنائهم في رحلتهم للتعلم في الخارج. 

ورصد "قلم المنصورة" استعدادات الطلاب المصريين الدارسين في روسيا بعد ارتفاع أسعار الدراسة في الجامعات الروسية ونفقات المعيشة.

حكت لنا آية محمد 21 سنة، الطالبة بالفرقة الثالثة في كلية طب الأسنان أن ظروف المعيشة في روسيا أصبحت أصعب من قبل، خاصة العام والنصف الماضيين بسبب التعويم وانهيار سعر الدولار والجنيه أمام الروبل وتطبيق العقوبات على روسيا.

وأوضحت: "لجأت للدراسة في روسيا؛ لأن مجموعي كان أقل من تنسيق طب الأسنان في مصر، ولأنه حسبما يُقال أنها أرخص في الدراسة لأن معظم الجامعات كانت لا تتجاوز 70 ألف جنيه، والمعيشة لا تحتاج إلا 3000 جنيه بحد أقصى".

وتضيف: "قفز فجأة سعر الروبل بعد الحرب، وأصبح متوسط سعر الجامعات 150 ألف جنيه أي زادت للضعف خلال العام الأخير بسبب سعر الصرف، كذلك مصاريف السكن لم تكن تتجاوز 1500 جنيه سنويًا اصبحت من 1000 إلى 1500 جنيه فقط شهريًا، والمصروفات الشخصية أصبحت 5000 جنيه، ولا تكفي".

تواصل: "يدوب يقدروا يعيشوني، ولم يكن قرار التحويل جيد بالنسبة لي لأنني سأضطر لأعيد بدايةً من سنة ثانية، وهذا غير مقبول لي ولأسرتي".

"في الوقت ده مع الزيادة لا يستطيع الطالب المعيشة دون التفكير في عمل بجانب الدراسة، وظروف العمل هنا أقرب للاستعباد؛ بسبب تراوح ساعات العمل بين 10 لـ12 ساعة، وكان قرار صعب اتخاذه لأنني في البداية بنت، وثانيًا لم أعتد العمل إطلاقًا، لكن راتب اليوم 2100 روبل يمكن أن يكفيني ليوم، وأستطيع العمل نصف أسبوع بجانب مصروفي العادي"، هكذا تضيف آية.

لكن رد فعل أهلها كان صعب، في البداية رفضوا، تقول: "بدأت العمل دون علمهم".

وحكت آية عن تجربتها في العمل أول يوم، إذ كانت تشعر بأنها ترتكب خطأ ما، ولا تدري عواقبه: "أول يوم عمل في مصنع للأجهزة والمنتجات لشركة كبرى كان بدايته من الساعة الثامنة صباحًا أي في موعد بدء الجامعة لكن يتطلب استقلال حافلة العمل في تمام السادسة صباحًا، أرسلت رسالة لأسرتي أنني ليس معي نت وأوفره لبعد المحاضرات وانتهاء اليوم؛ وذلك لأنني في المصنع يُسحب "الموبايل وأي جهاز معي قبل أن بداية عملي".

أكملت: "كنت متحمسة في بداية اليوم للتجربة الجديدة التي أخوضها لكن لم أفهم الصعوبة التي سمعت عنها من زملائي الشباب إلا عندما ذقت مرارة العمل، لا يفرق الروس بين كونك بنت أو ولد أو طالب أو خريج، الكل سواء والكل يذوق مرارة العمل والمعاناة مع صاحب العمل المتعنت".

وكانت التجربة الأولى لآية قاسية حسبما وصفتها، ولا تحب تذكرها كثيرًا، وحكت لنا: "كنت ما زلت أتعلم اللغة الروسية، ولا أتحدث بطلاقة وكنت مرهقة بدنيًا من المجهود بعد مرور 5 ساعات من اليوم، لكن لم يكن هذا يعني  للمدير شيئًا، أنت هنا لتعمل فقط، وبخني وقام بطردي أثناء ساعات العمل من المصنع الذي يقع على أطراف المدينة ولا يمر بالمكان حافلات، واضطررت لأخذ تاكسي حتى السكن كلفني أكثر مما أتقاضاه". 

الآن آية تتنقل في العمل بين مصنع الفاكهة ومصنع الأجهزة، ثم أخبرت أسرتها أنها بدأت في العمل، تضيف: "كنت مُصره أن أتكفل ولو بجزء من مصاريفي، وأقنعتهم بقضاء عطلة الصيف في روسيا للعمل، وجمع أكبر قدر من المصروفات الدراسية للجامعة والسكن".

لكن كيف ينظم الطالب وقته بين ساعات العمل الطويلة التي تُرهق الطالب والجامعة ؟.. قال محمد علاء، 22 سنة، طالب بالفرقة الرابعة في كلية الهندسة: "سافرت منذ 5 أعوام عندما درست في روسيا، وكان سعر الدراسة والمعيشة أقل بكثير من الذي سأحتاجه للدراسة في مصر، لكن الآن زادت الأسعار أضعافًا".

وأضاف: "العمل دائمًا لا يكون مناسب لنا كطلبة وذلك بسبب الدراسة وساعاتها واللغة، وأحيانًا ترفض الجامعات عمل طلبة لأنهم يعلمون أن معظم العمل المتوفر لا يراعي كونك طالب، والعمل الذي يتناسب معك يكون أجره أقل مما يكفي لطالب مغترب والعمل المناسب الذي يوفر لك مصروفك الشهري أو جزء من مصروف جامعاتك يصل إلى 12 ساعة وهو أمر شاق".

واستعرض علاء أنواع العمل مثل عامل في مصنع مع ساعة فقط راحة يستغلها في مراجعة شيئًا ما للجامعة، وأضاف: "خلال أيام الدراسة كنت أعمل في وقت الليل من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا".

وكان من السهل لعلاء إقناع أهله بالعمل، لكنهم رفضوا خشية تأثير ذلك على دراسته، يقول: "كنت مُصر على العمل بدلًا من أن أخبرهم بشكل مباشر أن مصروفي الشهري الذي وصل وقتها لـ 5000 آلاف بدلًا من 2000 أصبح لا يكفيني أسبوعين، إضافةً لمصاريف الجامعة التي وصلت لـ 120 جنيه بدلًا من 60 آلاف".

وأضاف: "طبيعة العمل في المصنع كانت تستلزم مجهودًا كبيرًا من الوقوف على القدم ساعات طويلة و حمل صناديق ثقيلة ورفعها في ثلاجات، طول الوقت أنت محاصر من مديرك الذي يتابع عملك وإذا أهملت لثواني يقوم بطردك".

وأضاف: "ساعات العمل تعطيك راتب يصل إلى 2500 روبل في اليوم، وأنت تحتاج غذاء وإفطار في حدود 1500 يوميًا، العمل يتناسب مع سعره لنا كطلاب لكن لا يتناسب مع الساعات التي لابد أن نعملها حتى نأخذ رواتبنا كاملة"، موضحًا أن معظم الطلاب الذين قرروا البقاء في روسيا بعد قرار التحويل أغلبهم من البنات والأولاد اتجهوا للعمل في عطلته الصيفية بدلًا من النزول إجازة إلى مصر.

وقال سيد عماد، 18 سنة، طالب بالفرقة الأولي: "قررت التقديم بشكل نهائي بسبب عدم لحاقي بأي كلية من الكليات الطبية في الجامعات الخاصة والأهلية في مصر، ثم أدركت أنني أحتاج إلى مبالغ هائلة للتقديم و استخلاص الأوراق والسفر، وهذا أثر على أسرتي فأصبحوا يدخرون لمصاريف جامعتي والتي تصل لـ 190 ألف جنيه سنويًا، وسكن جامعي 15 ألف جنيه سنويًا، بخلاف مصاريف إنهاء الأوراق والتقديم التي وصلت لـ 700 دولار، "أهلي يهملون أنفسهم وأخواتي لكي أحقق ما أتمناه". 

وقالت أميرة زكي 51 عامًا، ولية أمر: "لجأنا لروسيا لأن الأبناء لم يصلوا لمجموع كافي للحاق بالجامعات المصرية، واخترنا روسيا تحديدًا لأنها أرخص في المصاريف الدراسية والمعيشة بالنسبة لما كنا نسمعه حينها وكان هذا حقيقي حتى عامين، وأصبحت المصاريف الجامعية في زيادة علينا كمصريين فقط بسبب انخفاض عملتنا أمام الروبل والدولار".

حدثتنا زكي عن شعورها بخيبة الأمل وهي تجمع مصاريف الجامعة بصعوبة وقالت: "كأولياء أمور نحاول ولابد من أن ندخل في جمعيات، وأحيانًا نصل إلى الاقتراض لكي نجمع المبلغ  حتى يجد أولادنا الراحة في غربتهم وقدرتهم على التركيز في مذاكرتهم".

ولم يستطع محمود حامد 58 عامًا، ولي أمر منع نجلته من العمل بجانب دراستها حتى إن كان عملها موجع له ويحزن قلبه، "ليس من السهل إطلاقًا أن يعرف أب أو أم أن أولادهم يعملون في الغربة لساعات تصل إلى 12 ساعة لا نعرف عنهم شيئًا وبجانب دراستهم عشان يوفروا مصاريفهم، لكن كلها محاولات من الأولاد أن يجعلوا الحياة أسهل على أهلهم".